دأت كثير من البنوك المركزية في سحب حزم التحفيز النقدي الطارئة التي أطلقتها لمواجهة ركود الاقتصاد بسبب انتشار جائحة كورونا العام الماضي.
مع تسارع معدل التضخم؛ يستعدُّ بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لإبطاء وتيرة برنامج شراء الأصول، في حين أنَّ أقرانه في النرويج، والبرازيل، والمكسيك، وكوريا الجنوبية، ونيوزيلندا من بين البنوك التي قامت فعلاً بزيادة أسعار الفائدة.
التضخم لن يختفي قريباً
في خلفية هذا التحوُّل، ظهرت دلائل على أنَّ رعب التضخم الذي انتشر مؤخَّراً لن يختفي قريباً وسط أزمات سلاسل الإمداد والتوريد، وارتفاع أسعار السلع الأولية، وزيادة الطلب بعد انتهاء الإغلاق، واستمرار عمليات التحفيز النقدي، ونقص الأيدي العاملة.
مما يزيد مهمة صنَّاع القرار تعقيداً؛ هو احتمال تباطؤ معدلات نمو الاقتصاد، الأمر الذي دفع بعضهم إلى التحذير من تَشكُّل بيئة اقتصادية تتسم بالركود التضخمي.
وضع ذلك قادة البنوك المركزية في مأزق، إذ يتناقشون حول أي الأخطار التي لها الأولوية في المواجهة. فاستهداف التضخم بتطبيق سياسة نقدية متشددة يضيف ضغوطاً على الاقتصاد، ومحاولة تحفيز الطلب، ربما تؤدي إلى مزيد من اشتعال الأسعار.
في هذه اللحظة يشعر كثير من قادة البنوك المركزية أنَّ خطر ارتفاع التضخم استمر أكثر مما توقَّع معظمهم.
قال هيو بيل، كبير الاقتصاديين الجديد لدى “بنك إنجلترا”، الأسبوع الماضي، إنَّ “ميزان المخاطر يميل حالياً نحو تعاظم القلق بشأن معدلات التضخم المتوقَّعة، إذ يبدو أنَّ قوة التضخم الحالية ستستمر لفترة أطول مما توقَّعنا سابقاً”.
لا يساور البنوك المركزية كلها القلق نفسه، ولا تسعى جميعها إلى تغيير الاتجاه، كما أنَّ مسؤولي “البنك المركزي الأوروبي”، و”بنك اليابان”، من بين رؤساء البنوك المركزية الذين يعتزمون الاستمرار في تحفيز الاقتصاد بجرأة.
ويتنبأ صندوق النقد الدولي أنَّ معدل التضخم في البلدان المتقدِّمة على الأقل سوف يتراجع إلى نحو 2% سنوياً.
تقليص مشتريات السندات
مؤخراً، قام جيروم باول- الذي ينتظر قراراً يتضمَّن إعادة ترشيحه لرئاسة الاحتياطي الفيدرالي لمدة أربع سنوات أخرى أو لا – بخطوة نحو تخفيض حزمة الدعم الهائلة التي وضعت لمواجهة الجائحة.
خلال الشهر الماضي؛ قال رئيس الاحتياطي الفيدرالي، إنَّ البنك المركزي للولايات المتحدة قد يبدأ في تخفيف مشترياته الشهرية من السندات في نوفمبر المقبل، وقال، إنَّ ذلك يأتي في قمة أولويات البنك إلى جانب إقناع الأمريكيين أنَّه لن يغفل عن معدل التضخم الذي تجاوز الأرقام المتوقَّعة.
البنوك المركزية و”السقوط الحر”… هل يمكن لسلطات النقد أن تقوم بأعمال إضافية؟
سيحاول جيروم باول تبليغ تلك الرسالة دون أن ينشأ عنها أي انطباع بأنَّ الاحتياطي الفيدرالي يوشك على زيادة أسعار الفائدة التي تقترب حالياً من الصفر، حتى وإن كان صنَّاع السياسة النقدية منقسمين بالتساوي على مسألة رفع الفائدة خلال العام القادم، بحسب توقُّعات ربع سنوية نشرت في 22 سبتمبر.
غير أنَّ التوقُّعات – التي ظهرت في شكل نقاط مجهلة على رسم توضيحي – يمكن أن تتأثر بعد تغيير الأشخاص.
فبالإضافة إلى رئاسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي؛ أمام الرئيس جو بايدن فرصة اختيار ثلاثة حكام آخرين في المجلس الذي يضم سبعة مقاعد في واشنطن.
ويُنتظر إصدار قرار حول تعيين رئيس الاحتياطي الفيدرالي خلال فصل الخريف الحالي.
وهناك أيضاً تغييرات قادمة في اثني عشر رئيساً لمجالس الاحتياطي الفيدرالي الإقليمية. كما أنَّ اثنين من الصقور الأكثر تشدُّداً – وهما روبرت كابلان، رئيس الاحتياطي الفيدرالي في دالاس بتكساس، وإيريك روزنغرن، رئيس مجلس بوسطن – سوف يغادران منصبيهما بعد تسريبات حول نشاطاتهما في التداول في عام 2020. وعزا روزنغرن عند إعلان تقاعده المبكر ذلك إلى حالته الصحية.