في خطوة استراتيجية نحو مستقبل بيئي مستدام، أعلنت الوكالة الوطنية للنهوض بالبحث العلمي (ANPR) وشركاؤها، تحت رعاية وزير التعليم العالي والبحث العلمي، عن إطلاق الفعالية الوطنية الكبرى “غد أخضر” (VERT’DEMAIN). تأتي هذه المبادرة المحورية في إطار مشروع “دعم البحث والتعليم العالي في قطاع البيئة” (ARESSE)، الذي يهدف إلى ترسيخ مكانة تونس كمركز إقليمي رائد في مجال البحث والابتكار البيئي بمنطقة البحر الأبيض المتوسط.
ARESSE: استثمار استراتيجي لتعزيز الابتكار البيئي في تونس
يمثل مشروع ARESSE، الذي يمتد لأربع سنوات، استثمارًا كبيرًا في التنمية البيئية لتونس، بميزانية إجمالية تبلغ 11.5 مليون يورو. يتم تمويل الجزء الأكبر من هذا المشروع، وهو 11 مليون يورو، من قبل الاتحاد الأوروبي، بينما تساهم الوكالة الوطنية للنهوض بالبحث العلمي بمبلغ 578,889.18 يورو. الهدف الأسمى لمشروع ARESSE هو تعزيز البحث البيئي، دفع عجلة الابتكار الأخضر، وتسهيل نقل التكنولوجيا لمواجهة التحديات البيئية المتزايدة التي تواجه تونس. يندرج هذا المشروع ضمن برنامج دعم العمل البيئي للاتحاد الأوروبي، والذي تبلغ ميزانيته الإجمالية 50 مليون يورو، ويهدف إلى تحسين استدامة الاقتصاد التونسي بشكل شامل.
يستهدف مشروع ARESSE، الذي يتم تنفيذه على المستوى الوطني، مجموعة واسعة من الجهات المعنية، بما في ذلك مؤسسات البحث والتعليم العالي، والمؤسسات الاقتصادية، والمجتمع المدني، والبلديات. يرتكز المشروع على عدة محاور رئيسية تهدف إلى بناء منظومة بيئية داعمة للابتكار وتطوير المهارات بما يتناسب مع متطلبات المهن البيئية الحديثة:
محاور رئيسية لتمكين قطاع البيئة التونسي:
- تعزيز التكوين وقابلية التشغيل في قطاع البيئة: يركز هذا المحور على بناء القدرات وتأهيل الكفاءات لمهن المستقبل الخضراء. يشمل ذلك:
- إنشاء إطار مرجعي للوظائف والمهارات المطلوبة في القطاع البيئي.
- إحداث مرصد متخصص للمهن الخضراء لتقديم رؤى حول سوق العمل.
- تمويل مشاريع تهدف إلى إنشاء مسارات جامعية مؤهلة ومتخصصة في مواضيع بيئية ذات أولوية.
- ترسيخ مقاربات صديقة للبيئة ومنهجية البصمة الكربونية ضمن الأوساط الجامعية.
- دعم وتشجيع تأسيس الشركات الناشئة الخضراء (Green Startups) كرافد للابتكار وخلق فرص العمل.
- دعم البحث التطبيقي التشاركي ونشر الثقافة البيئية: يهدف هذا المحور إلى تسخير البحث العلمي لحل المشكلات البيئية الملحة وتعزيز الوعي البيئي في المجتمع:
- إطلاق برنامج “الأثر الأخضر” (Green Impact) لتقديم دعوات لمشاريع بحث علمي تطبيقي. سيتم بموجبه تمويل 15 مشروعًا بحثيًا تشاركيًا، بمتوسط ميزانية يبلغ 700 ألف دينار تونسي لكل مشروع.
- دعم نشر الثقافة البيئية من خلال فعاليات المجتمع المدني، وتعزيز مفهوم المدرسة المستدامة، بتمويل 26 مشروعًا في المدارس الابتدائية.
- تعزيز وتوسيع الشبكة الجمعياتية المتخصصة في العلوم والبيئة لزيادة التوعية والمشاركة.
- برنامج موبيدوك الأخضر (MOBIDOC Green): يشجع هذا البرنامج الباحثين الشباب (الدكاترة وطلاب الدكتوراه) وحاملي المشاريع على إجراء بحوث تعاونية في المجال البيئي بالتعاون مع الهياكل الاقتصادية والاجتماعية. كما يوفر البرنامج مرافقة وتوجيهًا لإنشاء وتأسيس شركات ناشئة خضراء، مما يربط البحث الأكاديمي بالاحتياجات الصناعية والاجارية.
رؤى قيادية: التزام بالتعليم والابتكار
أعرب السيد جوزيبي بيروني، سفير الاتحاد الأوروبي بتونس، عن أهمية المشروع قائلاً: “يجسد هذا المشروع قناعتنا المشتركة بأن التعليم والعلوم والتعاون الدولي ركائز أساسية لمواجهة التحديات المشتركة بين تونس والاتحاد الأوروبي. إن تطوير التعليم العالي لا يقتصر على مراجعة البرامج فحسب، بل يشمل أيضًا تغيير العقليات، وتعزيز التعددية في التخصصات، وجعل الجامعة فاعلًا ميدانيًا وقاعدة للحلول الملموسة.”
من جانبه، أكد البروفيسور الشاذلي العبدلي، المدير العام للوكالة الوطنية للنهوض بالبحث العلمي والمنسق الوطني لمشروع ARESSE، على الرؤية الطموحة للمشروع: “هذا المشروع، الممول من الاتحاد الأوروبي، يجسد رؤيتنا لتونس رائدة في مجال الاستدامة والابتكار الأخضر. إن ARESSE ليس مجرد مشروع، بل هو حافز للتحول، وجسر بين الأوساط الأكاديمية والقطاع الخاص والمجتمع المدني، لإيجاد حلول الغد.”
إطلاق رسمي وحلقات نقاش استراتيجية
أُقيم حدث الإطلاق الرسمي لفعالية “غد أخضر” يوم الأربعاء، 18 جوان 2025، بحضور كبار المسؤولين التونسيين والأوروبيين. شهد اليوم كلمات افتتاحية من السيد سمير عبد الحفيظ، وزير الاقتصاد والتخطيط، والسيد حبيب عبيد، وزير البيئة، والسيد منذر بالعيد، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، بالإضافة إلى كلمة السيد جوزيبي بيروني، سفير الاتحاد الأوروبي بتونس. تخلل الحدث تنظيم عدة حلقات نقاش ثرية، تناولت مواضيع حيوية مثل التعاون الدولي لمجابهة التحديات البيئية، وإدماج البعد البيئي في الإصلاحات المؤسساتية، بالإضافة إلى قضايا التكوين والتشغيل وتعزيز ريادة الأعمال الخضراء، مما يعكس الالتزام الشامل بتعزيز الاستدامة والنمو الأخضر في تونس.